الخميس، 20 سبتمبر 2012

دعاء ( اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله )


 
دعاء ( اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله )

السؤال


أردت السؤال عن صحة هذا الدعاء :

( اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله ، وإن كان في الأرض فأخرجه ،

وإن كان بعيدا فقربه ، وإن كان قريبا فيسره ، وإن كان قليلا فكثره ،

وإن كان كثيرا فبارك لي فيه ) ، وإن كان صحيحا فهل يقال في ظرف أو وقت معين ؟


الجواب

الحمد لله

لم يثبت هذا الدعاء في كتب السنة والأثر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم

ولم يرد من قول أحد الصحابة أو التابعين ، وإنما هو دعاء أعرابية مجهولة

سمعها بعض أهل العلم تدعو به في عرفات .

فقد روى الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" بسنده (ص/727) :

" عن الأصمعي قال :" سمعت أعرابية بعرفات وهي تقول :

اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله ، وإن كان في الأرض فأخرجه ،

وإن كان نائيا فقربه ، وإن كان قريباً فيسره " انتهى .

وكذا نقله الجاحظ في "البيان والتبيين" (517) ، والزمخشري في "ربيع الأبرار"

(178) وغيرهم .

والمراد من هذا الدعاء ، من حيث الجملة ، تحقيق حصول الرزق ، وتيسير وصوله

، وهو أمر لا حرج فيه ، وإن كنا نرى في هذا الدعاء نوعا من التكلف

والتشقيق في المسألة ، وهو خلاف أكمل الهدي ، هدي محمد صلى الله عليه وسلم ،

وأصحابه من بعده ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنْ الدُّعَاءِ
وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ )
رواه أحمد (27649) وأبو داود (1482) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع .

والمراد بجوامع الدعاء : " الْجَامِعَة لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ، وَهِيَ مَا كَانَ لَفْظه قَلِيلًا

وَمَعْنَاهُ كَثِيرًا ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى :
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار )

وَمِثْل الدُّعَاء بِالْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة .

وَقَالَ عَلِيّ الْقَارِيّ : وَهِيَ الَّتِي تَجْمَعُ الْأَغْرَاض الصَّالِحَة ، أَوْ تَجْمَعُ الثَّنَاء عَلَى

اللَّه تَعَالَى وَآدَاب الْمَسْأَلَة " انتهى . "عون المعبود شرح سنن أبي داود" (4/249) .

وعَنْ ابْنٍ لِسَعْد بن أبي وقاص ، أَنَّهُ قَالَ :

( سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَبَهْجَتَهَا وَكَذَا وَكَذَا ،

وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَسَلَاسِلِهَا وَأَغْلَالِهَا وَكَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِنِّي سَمِعْتُ

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ )

فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ ؛ إِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَ الْجَنَّةَ أُعْطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الْخَيْرِ

وَإِنْ أُعِذْتَ مِنْ النَّارِ أُعِذْتَ مِنْهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الشَّرِّ !! ) رواه أحمد (1486)

وأبو داود (1480) ، وصححه الألباني .

وقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم أن يقول :

( اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ
وَأَنْتَ الظَّاهِرُفَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ
اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ )
رواه مسلم (2713) .

وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ :

إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي ؟!

قَالَ : أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ ؟! ، قَالَ : قُلْ :
( اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ )
رواه الترمذي (3563) ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .

وانظر : تصحيح الدعاء ، للشيخ بكر أبو زيد ، ص (61-63) .

فأين هذا كله من تشقيق دعاء الأعرابي هذا ؟! .

فالذي نختاره لك ، ويختاره كل عاقل ، دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهديه

فإن عرضت لك حاجة من حوائج الدنيا والآخرة

فادع بما تحب من قضاء حاجتك ، وتيسير أمرك

وليس من شرط ذلك أن يكون الدعاء بعينه مأثورا محفوظا

بل إن كان في المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم حاجتك ومسألتك

فبها ونعمت ، وهو الأكمل ، وإلا فادع بما تحب من خير الدنيا والآخرة .

فإن أبيت إلا أن تدعو بهذا الدعاء ، فليكن ذلك في المرة بعد المرة

ولا تجعله وردا دائما لك ، ولا هديا ملازما

لكن من غير نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم

وعدم اعتقاد أفضليته ، ولا تخصيصه بزمان أو مكان أو عبادة .

وقد وقع بعض متأخري فقهاء الشافعية في هذا الخطأ

فذكروا هذا الدعاء فيما يسن في صلاة الضحى ، وقالوا :

" يسن أن يدعو في صلاة الضحى بهذا الدعاء :
اللهم إن الضحى ضحاؤك ، والبها بهاؤك ، والجمال جمالك
والقوة قوتك ، والقدرة قدرتك ، والعصمة عصمتك
اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله ، وإن كان في الأرض فأخرجه
وإن كان معسرا فيسره ، وإن كان حراما فطهره ، وإن كان بعيدا فقربه
بحق ضحائك وبهائك وجمالك وقوتك وقدرتك ، آتني ما آتيت
عبادك الصالحين " انتهى .

ذكره الدمياطي البكري في "حاشية إعانة الطالبين"

(1/295) ، وحاشية الطبلاوي على "تحفة المحتاج" (2/231) ،

وحاشية الجمل (1/485) .

فخصصوا هذه الجمل في عبادة معينة من غير دليل من الكتاب والسنة

وزادوا في جمل الدعاء كلمات تضم مخالفات وتجاوزات ، كقوله ( بحق ضحائك )

ولا يعلم أن للضحى حق وجاه يسأل الله به .

فالحق أن دعوى استحباب هذا الدعاء في صلاة الضحى

فتح لباب البدعة والإحداث في الدين

وليس هو من هدي الفقهاء المتقدمين الراسخين

ولا من عمل السلف الصالحين ، فينبغي الحذر منه

وبيان كذب نسبته إلى السنة النبوية .

والله أعلم .


موقع الإسلام سؤال وجواب - دعاء ( اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله )
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق